فصل


وكل من هؤلاء أدرك من درجات الكلام وأنواعه بعض الحق.
وكذلك الأصل الثاني ـ وهو تكلمنا بكلام الله ـ فإن الكتاب والسنة والإجماع دل على أن هذا الذي يقرؤه المسلمون هو كلام الله لا كلام غيره، ولو قال أحد : إن حرفًا منه، أو معنى ليس هو من كلام الله، أو أنه كلام غير الله وسمع ذلك منه النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد من أصحابه لعلم بالاضطرار أنهم كانوا يقابلونه بما يقابلون أهل الجحود والضلال، بل قد أجمع الخلائق على نحو ذلك في كل كلام، فجميع الخلق الذين يعلمون أن قوله :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل**
من شعر لَبِيد، يعلمون أن هذا كلام لبيد وأن قوله :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل**
هو من كلام امرئ القيس، مع علمهم أنهم إنما سمعوها من غيره بصوت ذلك الغير، فجاء المؤمنون ببعض الحق دون بعض فقالوا : ليس هذا، أو لا نسمع إلا صوت العبد ولفظه، ثم قال النفاة : ولفظ العبد محدث، وليس هو كلام الله، فهذا المسموع محدث، وليس هو كلام الله. وقالت المثبتة : بل هذا كلام الله وليس إلا لفظه أو صوته، فيكون لفظه أو صوته كلام الله، وكلام الله غير مخلوق، أو قديم، فيكون لفظه أو صوته غير مخلوق أو قديم.
وكل من الفريقين قد علم الناس بالضرورة من دين الأمة، بل وبالعقل أنه مخطئ في بعض ما قاله، مبتدع فيه؛ ولهذا أنكر الأئمة ذلك، وإذا رجع أحدهم إلى فطرته وجد الفرق بين أن يشير إلى الكلام المسموع فيقال : هذا كلام زيد، وبين أن يقول : هذا صوت زيد، ويجد فطرته تصدق بالأول وتكذب بالثاني، قال الله تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ﴾ [ التوبة : ٦ ]، وقال النبي ﷺ :( زينوا القرآن بأصواتكم ).


الصفحة التالية
Icon