ومن هنا تنازع أهل العلم في [ حروف الهجاء ] وفي [ الأسماء ] المنزلة في القرآن وفي [ كلمات ] في القرآن، إذا تمثل الرجل بها ولم يقصد بها القراءة، هل يقال : ليست مخلوقة لأنها من القرآن ؟ أو يقال : إذا لم يقصد بها القرآن وكلام الله فليست من كلام الله، فتكون / مخلوقة، على قولين لأهل السنة.
وأما الإنسان إذا قال ما هو كلام لغيره يقصد تبليغه وتأديته، أو التكلم به معتقدًا أنه إنما قصد التكلم بكلام غيره، الذي هو الآمر بأمره، المخبر بخبره، المتكلم ابتداء بحروفه ومعانيه ـ فهنا الكلام كلام الأول قطعًا، ليس كلامًا للثاني بوجه من الوجوه، وإنما وصل إلى الناس بواسطة الثاني.
وليس للكلام نظير من كل وجه فيشتبه به، وإنما هو أمر معقول بنفسه؛ فإن كلام زيد المخلوق وإن كان قد عدم مثلا، وعدم أيضا ما قام به من الصفة، فإذا رواه عنه راوٍ آخر، وقلنا [ : هذا كلام زيد، فإنما نشير إلى الحقيقة التي ابتدأ بها زيد واتصف بها، وهذه هي تلك بعينها؛ أعني الحقيقة الصورية؛ لا المادة؛ فإن الصوت المطلق بالنسبة إلى الحروف الصوتية المقطعة بمنزلة المادة والصورة، وهو لم يكن كلامًا للمتكلم الأول؛ لأجل الصوت المطلق الذي يشترك فيه صوت الآدميين والبهائم العجم والجمادات، وإنما هو لأجل الصورة التي ألفها زيد مع تأليفه لمعانيها.
ووجود هذه الصورة في المادتين ليس بمنزلة وجود الأنواع والأشخاص في الأعيان، ولا بمنزلة وجود الأعراض في الجواهر، ولا / هو بمنزلة سائر الصور في موادها الجوهرية، بل هو حقيقة قائمة بنفسها، وليس لكل حقيقة نظير مطابق من كل وجه.


الصفحة التالية
Icon