وقابلهم قوم من أهل الكلام والحديث، فزعموا أن ألفاظ العباد وأصوات العباد غير مخلوقة، أو ادعوا أن بعض أفعال العباد أو صفاتهم غير مخلوقة، أو أن ما يسمع من الناس من القرآن هو مثل ما يسمع / من الله-تعالى - من كل وجه، ونحو ذلك. فأنكر الإمام أحمد وعامة أئمة وقته وأصحابه وغيرهم من العلماء ذلك.
وإنكار جميع هذه البدع وردها موجود عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة في الكتب الثابتة، مثل كتاب [ السنة ] للخلال، و [ الإبانة ] لابن بطة، و كتب [ المحنة ] التي رواها حنبل وصالح، وكتاب [ السنة ] لعبد الله بن أحمد، و [ السنة ] للالكائي، و [ السنة ] لابن أبي حاتم وما شاء الله من الكتب.
فأما الرد على الجهمية القائلين بنفي الصفات وخلق القرآن، ففي كلام التابعين وتابعيهم والأئمة المشاهير من ذلك شيء كثير، وفي [ مسألة القرآن ] من ذلك آثار كثيرة جدًا. مثل ما روى ابن أبي حاتم وابن شاهين واللالكائي وغيرهم من غير وجه عن علي ابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه قيل له يوم صفين : حكمت رجلين، فقال : ما حكمت مخلوقًا، ما حكمت إلا القرآن. وعن عكرمة قال : كان ابن عباس في جنازة، فلما وضع الميت في لحده قام رجل فقال : اللهم رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال له : مه ! القرآن منه. وفي رواية : القرآن كلام الله، وليس بمربوب، منه خرج، وإليه يعود. وعن عبد الله بن مسعود قال : من حلف بالقرآن فعليه بكل آية كفارة، فمن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع.
ومن المستفيض عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار ـ وربما وقفه بعضهم على
سفيان والأول هو المشهور ـ قال : أدركت مشايخنا والناس منذ سبعين سنة يقولون : القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، ومشايخ عمرو من لقى عمرو من الصحابة والتابعين. وعن علي بن الحسين زين العابدين، وابنه جعفر بن محمد : ليس القرآن بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله.


الصفحة التالية
Icon