وهذا بخلاف الحروف التي في كلام الله؛ فإن تلك كلام الله كيفما تصرفت، ونحن لما يسر الله كلامه بألسنتنا أمكننا أن نتكلم بكلامه، لكن بأدواتنا وأصواتنا، وليس تكلمنا به وسمعه منا كتكلم الله به وسمعه منه، كما تقدمت الإشارة إلى هذا، كما أن الله ليس كمثله شيء فكذلك سائر ما يضاف إليه، ولكن لما أنطقنا الله بأدواتنا وحركاتنا وأصواتنا صار بين بعض لفظنا به ولفظنا بغيره نوع من الشبه، فإذا تكلمنا بكلام آخر فهو يشبه من بعض الوجوه لفظنا، وصوتنا بالقرآن لا يشبه تكلم الله به وقراءته إياه فإذا كان وجود هذه الحروف في كلام الآدميين ليس بمنزلة تكلم الله بالقرآن، وإنما يشبه من بعض الوجوه، تكلمنا به / من جهة ما يضاف إلينا لا من جهة ما يضاف إلى الله، امتنع حينئذ أن يقال : عين الحرف الذي هو جزء لفظه من الاسم الذي ينطق به الناس هو عين الحرف الذي هو جزء لفظ من كلام الله ـ تعالى ـ وإنما يشبهه ويقاربه، فهو هو باعتبار النوع، وليس هو إياه باعتبار العين والشخص، خلاف حروف كلام الله القرآن؛ فإنها كلام الله حيث تصرفت، وفيها دقة وشبهة أشرنا إليها في هذا الجواب، وشرحناها في موضعها.
فمن قال : إن الحروف حرفان أراد به أنهما عينان وشخصان وهذا حق، ومن قال : الحرف حرف واحد أراد به : أن الحقيقة النوعية واحدة في الموضعين، وهذا حق. ومن قال : إن حروف الهجاء من كلام الآدميين غير مخلوقة فقد صدق باعتبار الحقيقة النوعية. ومن قال : إنها مخلوقة باعتبار العين الشخصية فقد صدق.


الصفحة التالية
Icon