كما اصطلح [ النحاة ] على أن [ المفرد ] مثل الاسم وحرف المعنى يسمى كلمة، وإن كانت الكلمة في لغة العرب العرباء لا توجد إلا اسما للجملة التامة إلا أن يكون شيئًا لا يحضرني الآن.
وإذا كان الناس متفقين على أن الكلام هو كلام من ألف ألفاظه ومعانيه، و إن كان قد تعلم أسماءه من غيره زالت كل شبهة في المسألة، ووجب إطلاق القول بأن كلام الآدميين مخلوق، كما يطلق القول بأن هذا الشعر من كلام فلان وهذا الكلام كلام فلان، لا كلام الذين تكلموا قبلهم بتلك الأسماء وحروفها؛ فإن كلام الآدميين هو كلام الذين أنشؤوه وابتدؤوه فألفوا ألفاظه ومعانيه، وإن كان بعضهم قد تعلم أسماءه وحروفه من بعض، ولو كانت أسماؤه قد سمعوها من الله ـ تعالى.
واعلم أن هنا أمرًا عجيبًا، وهو أن هؤلاء القوم ضد الذين يجعلون القرآن الذي يقرؤونه كلام الآدميين، لا كلام الله، فإن أولئك عمدوا إلى كلام الله ـ الذي يتلونه ويبلغونه ويؤدونه ـ فجعلوه كلام أنفسهم، وهؤلاء عمدوا إلى كلامهم ـ المتضمن الكفر والفسوق والعصيان والكذب والبطلان ـ فجعلوه كلام الله الذي ليس بمخلوق، فأولئك لم ينظروا إلا إلى من سمع منه الكلام، وهؤلاء لم ينظروا إلا إلى من اعتقدوا أنه تكلم أولا بمفردات الكلام.
وأما [ الأمة الوسط ] الباقون على الفطرة، وجميع بني آدم، فيقولون لما بلغه المبلغ عن غيره وأداه، ولما قرأه من كلام غيره وتلاه : هذا كلام ذاك، وإنما بلغته بقواك، كما قال أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ لما خرج على قريش فقرأ عليهم :﴿ الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ [ الروم : ١-٣ ]، فقالوا : هذا كلامك، أم كلام صاحبك ؟ فقال : ليس بكلامي ولا كلام صاحبي، ولكن كلام الله.