والفقهاء يقسمون الوضوء والغسل إلى كامل ومجزئ، لكن يريدون بالكامل ما أتى بمفروضه ومسنونه، وبالمجزئ ما اقتصر علي واجبه، فهذا في [ الأعمال المشروعة ]. وكذلك في [ الأعيان المشهودة ]، فإن الشجرة ـ مثلا ـ اسم لمجموع الجذع والورق والأغصان، وهي بعد ذهاب الورق / شجرة، وبعد ذهاب الأغصان شجرة؛ لكن كاملة وناقصة، فليفعل مثل ذلك في مسمى الإيمان والدِّين، أن الإيمان ثلاث درجات : إيمان السابقين المقربين، وهو ما أتى فيه بالواجبات والمستحبات، من فعل وترك. وإيمان المقتصدين أصحاب اليمين، وهو ما أتى فيه بالواجبات من فعل وترك، وإيمان الظالمين، وهو ما يترك فيه بعض الواجبات، أو يفعل فيه بعض المحظورات.
ولهذا قال علماء السنة في وصفهم [ اعتقاد أهل السنة والجماعة ] : إنهم لا يُكَفِّرون أحدًا من أهل القبلة بذنب، إشارة إلى بدعة الخوارج المكفرة بمطلق الذنوب، فأما أصل الإيمان الذي هو الإقرار بما جاءت به الرسل عن الله تصديقًا به وانقيادًا له، فهذا أصل الإيمان الذي من لم يأت به فليس بمؤمن؛ ولهذا تواتر في الأحاديث :[ أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ] [ مثقال حبة من إيمان ]، وفي رواية الصحيح أيضًا :[ مثقال حبة من خير ] [ مثقال ذرة من خير ] وقال ﷺ ـ في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة ـ :[ الإيمان بضع وستون ـ أو بضع وسبعون ـ شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ]، فعلم أن الإيمان يقبل التبعيض والتجزئة، وأن قليله يخرج الله به من النار من دخلها، ليس هو كما يقوله الخارجون عن مقالة أهل / السنة : أنه لا يقبل التبعيض والتجزئة، بل هو شيء واحد، إما أن يحصل كله، أو لا يحصل منه شيء.