وإذا عرف مسمى الإيمان، فعند ذكر استحقاق الجنة والنجاة من النار، وذم من ترك بعضه ونحو ذلك ـ يراد به الإيمان الواجب، كقوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [ الحجرات : ١٥ ]، وقوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ الآية [ الأنفال : ٢ ]، وقوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾ [ النور : ٦٢ ] وقوله في الجنة :﴿ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [ الحديد : ٢١ ].
وقوله ﷺ :( لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )، فنفي عنه الإيمان الواجب الذى يستحق به الجنة ولا يستلزم ذلك نفي أصل الإيمان، وسائر أجزائه وشعبه، وهذا معنى قولهم نفي كمال الإيمان لا حقيقته، أى الكمال الواجب، ليس هو الكمال المستحب، المذكور في قول الفقهاء الغسل كامل ومجزئ.
ومن هذا الباب : قوله ﷺ :( من غَشَّنَا فليس منا )، ليس المراد به أنه كافر، كما تأولته الخوارج، ولا أنه ليس من خيارنا، كما تأولته المرجئة، ولكن المضمر يطابق المظهر، والمظهر هو المؤمنون المستحقون للثواب، السالمون من العذاب، والغاشُّ ليس منا لأنه متعرض لسخط الله وعذابه.
وإذا تبين هذا، فمن ترك بعض الإيمان الواجب لعجزه عنه، إما لعدم تمكنه من العلم، مثل ألا تبلغه الرسالة، أو لعدم تمكنه من العمل ـ لم يكن مأمورًا بما يعجز عنه، ولم يكن ذلك من الإيمان / والدين الواجب في حقه، وإن كان من الدين والإيمان الواجب في الأصل، بمنزلة صلاة المريض، والخائف، والمستحاضة، وسائر أهل الأعذار، الذين يعجزون عن إتمام الصلاة، فإن صلاتهم صحيحة بحسب ما قدروا عليه، وبه أمروا إذ ذاك، وإن كانت صلاة القادر على الإتمام أكمل وأفضل، كما قال النبي ﷺ :( المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير ) رواه مسلم عن أبي هريرة في حديث حسن السياق، وقوله :( صلاة القاعد على النِّصْف من صلاة القائم، وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد ) ولو أمكنه العلم به دون العمل لوجب الإيمان به، علمًا واعتقادًا دون العمل.