فإن الله قد بين بنصوص معروفة أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره، وأنه يجيب دعوة الداعى إذا دعاه، وأن مصائب الدنيا تكفر الذنوب، وأنه يقبل شفاعة النبي ﷺ في أهل الكبائر، وأنه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، كما بين أن الصدقة يبطلها المن والأذى، وأن الربا يبطل العمل، وأنه إنما يتقبل الله من المتقين؛ أى في ذلك العمل ونحو ذلك.
فجعل للسيئات ما يوجب رفع عقابها، كما جعل للحسنات ما قد يبطل ثوابها، لكن ليس شيء يبطل جميع السيئات إلا التوبة، كما أنه ليس شيء يبطل جميع الحسنات إلا الردة.
وبهذا تبين أنا نشهد بأن ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [ النساء : ١٠ ] على الإطلاق والعموم، ولا نشهد لمعين أنه في النار؛ لأنا لا نعلم لحوق الوعيد له بعينه؛ لأن لحوق الوعيد بالمعين مشروط بشروط وانتفاء موانع، ونحن لا نعلم ثبوت الشروط وانتفاء الموانع في حقه، وفائدة الوعيد : بيان أن هذا الذنب سبب مقتض لهذا العذاب، والسبب قد يقف تأثيره على وجود شرطه وانتقاء مانعه.
يبين هذا : أنه قد ثبت : أن النبي ﷺ لعن الخمر، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وآكل ثمنها. وثبت عنه في صحيح البخاري عن عمر : أن رجلا كان يكثر شرب الخمر، فلعنه رجل، فقال النبي ﷺ :( لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله )، فنهى عن لعن هذا المعيَّن، وهو مُدْمِن خمر؛ لأنه يحب الله ورسوله، وقد لعن شارب الخمر على العموم.


الصفحة التالية
Icon