وأيضًا، فقد ثبت في الصحيح من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :( إن رجلا لم يعمل خيرًا قط فقال لأهله : إذا مات فأحرقوه، ثم أذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم بين يديه، ثم قال : لم فعلتَ هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب، وأنت أعلم، فغفر الله له ).
وهذا الحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أصحاب الحديث والأسانيد من حديث أبي سعيد، وحذيفة وعقبة بن عمرو، وغيرهم عن النبي ﷺ من وجوه متعددة يعلم أهل الحديث أنها تفيدهم العلم اليقيني، وإن لم يحصل ذلك لغيرهم ممن لم يشركهم في أسباب العلم، فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله ـ تعالى ـ على إعادة ابن آدم، بعد ما أحرق وذرى، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك، وهذان أصلان عظيمان :
أحدهما : متعلق بالله ـ تعالى ـ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.
الثانى : متعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمنًا بالله في الجملة، ومؤمنًا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملا صالحًا ـ وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه ـ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله، واليوم الآخر والعمل الصالح.


الصفحة التالية
Icon