فمن كان قد آمن بالله ورسوله، ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول، فلم يؤمن به تفصيلا؛ إما أنه لم يسمعه، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، أو اعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذى يعذر به ـ فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله وبرسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه به الحجة التى يكفر مخالفها.
وأيضًا، فقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن من الخطأ في الدين ما لا يكفر مخالفة، بل ولا يفسق، بل ولا يأثم، مثل الخطأ في الفروع العملية، وإن كان بعض المتكلمة والمتفقهة يعتقد أن المخطئ فيها آثم، وبعض المتكلمة والمتفقهة يعتقد أن كل مجتهد فيها مصيب، فهذان القولان شاذان، ومع ذلك فلم يقل أحد بتكفير المجتهدين المتنازعين فيها، ومع ذلك فبعض هذه المسائل قد ثبت خطأ المنازع / فيها بالنصوص والإجماع القديم، مثل استحلال بعض السلف والخلف لبعض أنواع الربا، واستحلال آخرين لبعض أنواع الخمر، واستحلال آخرين للقتال في الفتنة.
وأهل السنة والجماعة متفقون على أن المعروفين بالخير، كالصحابة المعروفين، وغيرهم من أهل الجمل وصِفِّين من الجانبين، لا يفسق أحد منهم، فضلا عن أن يكفر، حتى عدى ذلك من عداه من الفقهاء إلى سائر أهل البغى، فإنهم مع إيجابهم لقتالهم منعوا أن يحكم بفسقهم لأجل التأويل، كما يقول هؤلاء الأئمة : إن شارب النبيذ المتنازع فيه متأولا لا يجلد ولا يفسق، وقد قال تعالى :﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [ الأنبياء : ٧٨، ٧٩ ]، وقال تعالى :﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [ الحشر : ٥ ].