قال البخاري : وكان إسماعيل بن أبي إدريس يسميهم زنادقة العراق. / وقيل له : سمعت : أحدًا يقول : القرآن مخلوق فقال : هؤلاء الزنادقة. قال : وقال أبو الوليد سمعت يحيى بن سعيد -وذكر له أن قومًا يقولون : القرآن مخلوق ـ فقال : كيف يصنعون بـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [ الإخلاص : ١ ] كيف يصنعون بقوله :﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾ ؟ قال : وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : نظرت في كلام اليهود والمجوس فما رأيت قومًا أضل في كفرهم منهم، وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم. قال : وقال سليمان بن داود الهاشمي : من قال : القرآن مخلوق، فهو كافر، وإن كان القرآن مخلوقًا ـ كما زعموا ـ فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال :﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ] ؟ وزعموا أن هذا مخلوق، والذي قال :﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [ طه : ١٤ ] هذا ـ أيضًا ـ قد ادعى ما ادعى فرعون، فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار من هذا ؟ وكلاهما عنده مخلوق، فأخبر بذلك أبو عبيد، فاستحسنه وأعجبه.
ومعنى كلام هؤلاء السلف ـ رضي الله عنهم ـ : أن من قال : إن كلام الله مخلوق خلقه في الشجرة أو غيرها ـ كما قال هذا الجهمي المعتزلي المسؤول عنه ــ كان حقيقة قوله : إن الشجرة هي التي قالت لموسى :﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾ ومن قال : هذا مخلوق، قال ذلك. فهذا المخلوق عنده كفرعون الذي قال :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ كلاهما مخلوق، وكلاهما قال ذلك. فإن كان قول فرعون كفرًا فقول هؤلاء ـ أيضًا ـ كفر.


الصفحة التالية
Icon