وذلك لأن اسم الفاعل ونحوه من المشتقات هو مركب يدل على الذات وعلى الصفة، والمركب يمتنع تحققه بدون تحقق مفرداته، وهذا كما أنه ثابت في الأسماء المشتقة فكذلك في الأفعال : مثل تكلم وكلم ويتكلم ويكلم وعلم ويعلم وسمع ويسمع ورأى ويرى ونحو ذلك سواء قيل : إن الفعل المشتق من المصدر، أو المصدر مشتق من الفعل، لا نزاع بين الناس أن فاعل الفعل هو فاعل المصدر. فإذا قيل : كلم أو علم أو تكلم أو تعلم، ففاعل التكليم والتعليم هو المكلم والمعلم، وكذلك التعلم والتكلم، والفاعل هو الذي قام به المصدر الذي هو التكليم والتعليم والتكلم والتعلم، فإذا قيل : تكلم فلان أو كلم فلان فلانًا، ففلان هو المتكلم والمكلم، فقوله تعالى :﴿ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [ النساء : ١٦٤ ]، وقوله :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ]، وقوله :﴿ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ]، يقتضى أن الله هو المكلم، فكما يمتنع أن يقال : هو متكلم بكلام قائم بغيره، يمتنع أن يقال : كلم بكلام قائم بغيره. فهذه خمسة أوجه :
أحدها : أنه يلزم الجهمية على قولهم أن يكون كل كلام خلقه الله كلامًا له؛ إذ لا معنى لكون القرآن كلام الله إلا كونه خلقه، وكل من فعل كلاما ولو في غيره كان متكلمًا به عندهم، وليس للكلام عندهم مدلول يقوم بذات الرب ـ تعالى ـ لو كان مدلول [ قائمًا ] يدل لكونه خلق صوتًا في محل والدليل يجب طرده، فيجب أن يكون كل صوت يخلقه له كذلك، وهم يجوزون أن يكون الصوت المخلوق على جميع الصفات، فلا يبقى فرق بين الصوت الذي هو كلام الله ـ تعالى ـ على قولهم والصوت الذي هو ليس بكلام.
الثاني : أن الصفة إذا قامت بمحل كالعلم والقدرة والكلام والحركة عاد حكمها إلى ذلك المحل ولا يعود حكمها إلى غيره.