فصل


ثم تنازع بعض المتأخرين في الحروف الموجودة في كلام الآدميين. وسبب نزاعهم أمران :
أحدهما : أنهم لم يفرقوا بين الكلام الذي يتكلم الله به فيسمع منه، و بين ما إذا بلغه عنه مبلغ فسمع من ذلك المبلغ؛ فإن القرآن كلام الله، تكلم به بلفظه ومعناه بصوت نفسه، فإذا قرأه القراء قرؤوه بأصوات أنفسهم، فإذا قال القارئ :﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾
[ الفاتحة ٢، ٣ ] كان هذا الكلام المسموع منه كلام الله لا كلام نفسه، وكان هو قرأه بصوت نفسه لا بصوت الله، فالكلام كلام الباري، والصوت صوت القارئ، كما قال النبي ﷺ :( زينوا القرآن بأصواتكم )، وكان يقول :( ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي ؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي )، وكلا الحديثين ثابت، فبين أن الكلام الذي يبلغه كلام ربه، وبين أن القارئ / يقرؤه بصوت نفسه، وقال ﷺ :( ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن ). قال أحمد والشافعي وغيرهما : هو تحسينه بالصوت. قال أحمد بن حنبل : يحسنه بصوته، فبين أحمد أن القارئ يحسن القرآن بصوت نفسه.


الصفحة التالية
Icon