وقال أحمد بن حنبل : كلام الله من الله ليس ببائن منه، وهذا معنى قول السلف : القرآن كلام الله، منه بدأ، ومنه خرج، وإليه يعود كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره عن جبير بن نفير قال : قال رسول الله ﷺ :[ إنكم لن ترجعوا إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه ] يعني : القرآن، وقد روى أيضًا عن أبي أمامة مرفوعًا. وقال أبوبكر الصديق لأصحاب مسيلمة الكذاب ـ لما سمع قرآن مسيلمة ـ : ويحكم ! أين يذهب بعقولكم ؟ إن هذا كلامًا لم يخرج من إل. أي : من رب.
وليس معنى قول السلف والأئمة : إنه منه خرج ومنه بدأ : أنه فارق ذاته وحل بغيره، فإن كلام المخلوق إذا تكلم به لا يفارق ذاته / ويحل بغيره، فكيف يكون كلام الله ؟ قال تعالى :﴿ مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [ الكهف : ٥ ]، فقد أخبر أن الكلمة تخرج من أفواههم، ومع هذا فلم تفارق ذاتهم.
وأيضًا، فالصفة لا تفارق الموصوف وتحل بغيره، لا صفة الخالق ولا صفة المخلوق، والناس إذا سمعوا كلام النبي ﷺ ثم بلغوه عنه كان الكلام الذي بلغوه كلام رسول الله ﷺ وقد بلغوه بحركاتهم وأصواتهم. فالقرآن أولى بذلك، فالكلام كلام الباري والصوت صوت القارئ، قال تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [ التوبة : ٦ ]، وقال ﷺ :( زينوا القرآن بأصواتكم ).


الصفحة التالية
Icon