إن الله لم يكلم موسى تكليما، فقال له آخر : بل كلمه تكليما، فقال : إن قلتَ كلمه فالكلام لا يكون إلا بحرف وصوت، والحرف والصوت محدث، ومن قال : إن الله كلم موسى بحرف وصوت فهو كافر، فهل هو كما قال أوْ لا ؟
فأجاب :
الحمد لله، أما من قال : إن الله لم يكلم موسى تكليمًا، فهذا إن كان لم يسمع القرآن فإنه يُعَرَّف أن هذا نص القرآن، فإن أنكره بعد ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتِل، ولا يقبل منه إن كان كلامه بعد أن يجحد نص القرآن، بل لو قال : إن معنى كلامي : أنه خلق صوتًا في الهواء فأسمعه موسى كان كلامه ـ أيضًا ـ كفرًا، وهو قول الجهمية الذين كفرهم السلف وقالوا : يستتابون، فإن تابوا وإلا قتلوا، لكن من كان مؤمنا بالله ورسوله مطلقًا ولم يبلغه من العلم ما يبين له الصواب، فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي من خالفها كفر؛ إذ كثير من الناس / يخطئ فيما يتأوله من القرآن ويجهل كثيرًا مما يرد من معاني الكتاب والسنة، والخطأ والنسيان مرفوعان عن هذه الأمة، والكفر لا يكون إلا بعد البيان.
والأئمة الذين أمروا بقتل مثل هؤلاء الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة ويقولون : القرآن مخلوق ونحو ذلك، قيل : إنهم أمروا بقتلهم لكفرهم، وقيل : لأنهم إذا دعوا الناس إلى بدعتهم أضلوا الناس، فقتلوا لأجل الفساد في الأرض، وحفظا لدين الناس أن يضلوهم.
وبالجملة، فقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الجهمية من شر طوائف أهل البدع، حتى أخرجهم كثير عن الثنتين والسبعين فرقة.
ومن الجهمية : المتفلسفة والمعتزلة الذين يقولون : إن كلام الله مخلوق، وإن الله إنما كلم موسى بكلام مخلوق خلقه في الهواء، وإنه لا يرى في الآخرة. وإنه ليس مباينا لخلقه، وأمثال هذه المقالات التي تستلزم تعطيل الخالق وتكذيب رسله وإبطال دينه.