وإذا قال : إن الله هَدَى عباده وعلَّمهم البيان، فأنطقهم بها باللغات المختلفة، وأنعم عليهم بأن جعلهم ينطقون بالحروف التي هي مباني كتبه وكلامه وأسمائه ـ فهذا قد أصاب، فالإنسان ـ وجميع ما يقوم به من الأصوات والحركات وغيرها ـ مخلوق كائن بعد أن لم يكن، والرب ـ تعالى ـ بما يقوم به من صفاته وكلماته وأفعاله غير مخلوق، والعباد إذا قرؤوا كلامه فإن كلامه الذي يقرءونه هو كلامه لا كلام غيره، وكلامه الذي تكلم به لا يكون مخلوقًا، وكان ما يقرءون به كلامه من حركاتهم وأصواتهم مخلوقًا، وكذلك ما يكتب في المصاحف من كلامه فهو كلامه مكتوبًا في المصاحف وكلامه غير مخلوق، والمداد الذي يكتب به كلامه وغير كلامه مخلوق.
وقد فرق ـ سبحانه وتعالى ـ بين كلامه وبين مداد كلماته بقوله تعالى :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [ الكهف : ١٠٩ ] وكلمات الله غير مخلوقة، والمداد الذي يكتب به كلمات الله مخلوق، والقرآن المكتوب في المصاحف غير مخلوق، وكذلك المكتوب في اللوح المحفوظ وغيره، قال تعالى :﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [ البروج : ٢١، ٢٢ ]، وقال :﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ ﴾ [ عبس : ١١-١٤ ]، وقال تعالى :﴿ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ [ البينة : ٢، ٣ ] وقال :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ ِلَّاالْمُطَهَّرُونَ ﴾ [ الواقعة : ٧٧-٧٩].


الصفحة التالية
Icon