فإن قلت : فهذا المسموع مثل كلام المروي عنه، أو حكاية كلام المروي عنه، كما أطلق ذلك طائفة من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، كان إطلاق هذا خطأ، كما أنك إذا قلت لما تراه في الماء والمرآة : هذا مثل الشمس، أو هذا يحكي الشمس، كان إطلاق ذلك خطأ، قال تعالى :﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ الآية [ الإسراء : ٨٨ ]، فقد بين عجز الخلائق عن الإتيان بمثله، مع أنهم قادرون على تبليغه وتلاوته، فعلم أن هذا المسموع لا يقال : إنه مثل كلام الله، كما سماه كلامه، لكنه كلامه بواسطة المبلغ لا بطريق المباشرة.
والله ـ سبحانه ـ قد فرق بين التكليمين، فقال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء ﴾ [ الشورى : ٥١ ] ففرق بين تكليمه من وراء حجاب ـ كما كلمه موسى ـ وبين تكليمه بإرساله رسولا يوحي بإذنه، ذاك تكليم بلا /واسطة، وهذا تكليمه بواسطة.
وإن قلت لما يبلغه المبلغ عن غيره : هذا حكاية كلام ذلك، كان الإطلاق خطأ؛ فإن لفظ [ الحكاية ] إذا أطلق يراد به أنه أتى بكلام يشبه كلامه، كما يقال : هذا يحاكي هذا، وهذا قد حكى هذا، لكن قد يقال : فلان قد حكى هذا الكلام عن فلان، كما يقال : رواه عنه، و بلغه عنه، ونقله عنه، وحدث به عنه؛ ولهذا يجىء في الحديث عن النبي ﷺ فيما يروي عن ربه. فكل ما بلغه النبي ﷺ عن الله فقد حكاه عنه، ورواه عنه.


الصفحة التالية
Icon