هو كلام لبيد كيفما أنشده الناس وكتبوه، فهذا الشعر الذي ينشده هو شعر لبيد بعينه. فإذا قيل : الشعر الذي قام بنا هو الذي قام بلبيد. قيل : إن أريد بذلك أن الشعر من حيث هو هو، إن أريد : أن نفس ما قام بذاته فارق ذاته وانتقل إلينا، فليس كذلك، وكذلك إن أريد : أن عين الصفة المختصة بذلك الشخص كحركته وصوته هي عين الصفة المختصة بنا، كحركتنا وصوتنا فليس كذلك.
فقولك : هذا هو هذا، لفظ فيه إجمال يبينه السياق. فإذا قلت : هذا الكلام هو ذاك، أو هذا الشعر هو ذاك، كنت صادقًا. وإذا قلت : هذا الصوت هو ذاك، كان كذبا.
والناس لا يقصدون، إذا قالوا : هذا شعر لبيد، إلا القدر المتحد، / وهي الحقيقة من حيث هي، مع قصر النظر عما اختص به أحدهما.
فإن قيل : القدر المتحد كلى مطلق، والكليات إنما توجد في الأذهان لا في الأعيان. قيل : ذكر هذا هنا غلط، فإن هذا إنما يقال لو كان رجل قد قال شعر لبيد من غير أن يعلم بشعره. فنقول : هذان شيئان اشتركا في النوع الكلي، وامتاز أحدهما عن الآخر بما يخصه، والكلى إنما يوجد كليًا في الذهن لا في الخارج، وأما هنا فنفس شعره كان له وجود في الخارج، والمقصود من الحقيقة الكلامية ـ مع قطع النظر عن صوت زيد وصوت عمرو ـ موجود لما تكلم به لبيد، وموجود إذا أنشده غير لبيد، وتلك الحقيقة المتحدة موجودة هنا وهنا، ليست مثل وجود الإنسانية في زيد وعمرو وخالد؛ فإن إنسانية زيد ليست إنسانية عمرو بل مثلها، والمشترك بينهما لا يوجد في الخارج، وهنا نفس الكلام الذي تكلم به لبيد تكلم به المنشد عنه، ولا يقال : إنه أنشأ مثله، ولا أنشد مثله، بل يقال : أنشد شعره بعينه.