فهذه المواضع يجب أن تفسر الألفاظ المجملة بالألفاظ المفسرة المبينة، وكل لفظ يحتمل حقًا وباطلا فلا يطلق إلا مبينًا به المراد الحق دون / الباطل، فقد قيل : أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء. وكثير من نزاع الناس في هذا الباب هو من جهة الألفاظ المجملة، التي يفهم منها هذا معنى يثبته، ويفهم منها الآخر معنى ينفيه. ثم النفاة يجمعون بين حق وباطل، والمثبتة يجمعون بين حق وباطل.
وأما قوله : أم الذي يقوم بنا يكون عبارة عن كلام الله أو حكاية عنه، ويكون إطلاق كلام الله عليه مجازًا ؟ فيقال : العبارة عن كلام الغيب يقال لمن في نفسه معنى ثم يعبر عنه غيره. كما يعبر عما في نفس الأخرس من فهم مراده، والذين قالوا :[ القرآن عبارة عن كلام الله ] قصدوا هذا، وهذا باطل، بل القرآن العربي تكلم الله به، وجبريل بلغه عنه.
وأما [ الحكاية ] فيراد بها ما يماثل الشيء، كما يقال : هذا يحاكي فلانًا : إذا كان يأتي بمثل قوله أو عمله، وهذا ممتنع في القرآن، فإن الله ـ تعالى ـ يقول :﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾ الآية [ الإسراء : ٨٨ ]. وقد يقال : فلان حكى فلان عنه، أي بلغه عنه، ونقله عنه، ويجيء في الحديث : أن النبي ﷺ قال فيما يحكي عن ربه، ويقال : إن النبي ﷺ روى عن ربه. وحكى عن ربه. فإذا قيل : إنه حكى عن الله، بمعنى أنه بلغ عن الله، فهذا صحيح.
وأما قول القائل : هل يكون كلام الله مجازًا ؟ فيقال : علامة المجاز صحة نفيه، ونحن نعلم بالاضطرار أن فلانًا لو قال بحضرة الرسول : ليس هذا كلام الله، لكان عنده لم يكن متكلمًا بالحقيقة اللغوية.
وأيضًا، فهذا موجود في كل من بلغ كلام غيره، أنه يقال : هذا كلام المبلغ عنه، لا كلام المبلغ، والله أعلم.