وكلام الله تكلم الله به بنفسه، تكلم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقًا بائنًا عنه، بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلم به بقدرته ومشيئته، ليس قائمًا بدون قدرته ومشيئته.
والسلف قالوا : لم يزل الله ـ تعالى ـ متكلمًا إذا شاء. فإذا قيل : كلام الله قديم، بمعنى أنه لم يصر متكلمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته، بل لم يزل متكلمًا إذا شاء ـ فهذا كلام صحيح.
ولم يقل أحد من السلف : إن نفس الكلام المعين قديمًا، وكانوا يقولون : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ولم يقل أحد منهم : إن القرآن قديم، ولا قالوا : إن كلامه معنى واحد قائم بذاته، ولا قالوا : إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلمًا بها إذا شاء، بل قالوا : إن حروف القرآن غير مخلوقة، وأنكروا على من قال : إن الله خلق الحروف.
وكان أحمد وغيره من السلف ينكرون على من يقول : لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق. يقولون : من قال : هو مخلوق، فهو جهمي، ومن قال : غير مخلوق، فهو مبتدع؛ فإن [ اللفظ ] يراد به مصدر لفظ يلفظ لفظًا، ويراد باللفظ الملفوظ به، وهو نفس الحروف المنطوقة، وأما أصوات العباد ومداد المصاحف فلم يتوقف أحد من السلف في أن ذلك مخلوق، وقد نص أحمد وغيره على أن صوت القارئ صوت العبد، وكذلك غير أحمد من الأئمة. وقال أحمد : من / قال : لفظي بالقرآن مخلوق ـ يريد به القرآن ـ فهو جهمي؛ فالإنسان وجميع صفاته مخلوق، حركاته وأفعاله وأصواته مخلوقة، وجميع صفاته مخلوقة، فمن قال عن شىء من صفات العبد : إنها غير مخلوقة أو قديمة، فهو مخطئ ضال، ومن قال عن شىء من كلام الله أو صفاته : إنه مخلوق، فهو مخطئ ضال.


الصفحة التالية
Icon