وقال بعضهم : إذا قال لك الجهمي : كيف ينزل إلى سماء الدنيا ؟ فقل له : كيف هو في نفسه ؟ فإن قال : نحن لا نعلم كيفية ذاته. فقل : ونحن لا نعلم كيفية صفاته، وكيف نعلم كيفية صفة، ولا نعلم كيفية موصوفها.
ومن فهم من صفات الله تعالى ما هو مستلزم للحدوث، مجانس لصفات المخلوقين، ثم أراد أن ينفي ذلك عن الله فقد شبه وعطل؛ بل الواجب أن لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا نتجاوز القرآن والحديث. وأن نعلم مع ذلك أن الله تعالى ليس كمثله شىء، لا في نفسه، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، وإن الخلق لا تطيق عقولهم كنه معرفته، ولا تقدر ألسنتهم على بلوغ صفته ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
[ الصافات : ١٨٠-١٨٢ ]، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
وسئل ـ رحمه الله ـ عمن يقول : إن الشكل، والنقط من كلام الله تبارك وتعالى، وهل ذلك حق أم باطل ؟ وما الحكم في الأحرف ؟ هل هي كلام الله أم لا ؟ بينوا لنا ذلك مثابين مأجورين ؟
فأجاب :
الحمد لله رب العالمين. المصاحف التي كتبها الصحابة لم يشكلوا حروفًا، ولم ينقطوها؛ فإنهم كانوا عربًا لا يلحنون، ثم بعد ذلك في أواخر عصر الصحابة لما نشأ اللحن صاروا ينقطون المصاحف ويشكلونها وذلك جائز عند أكثر العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وكرهه بعضهم، والصحيح أنه لا يكره؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك، ولا نزاع بين العلماء أن حكم الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة، فإن النقط تميز بين الحروف، والشكل يبين الإعراب؛ لأنه كلام من تمام الكلام، ويروي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا :[ إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه ] فإذا قرأ القارئ ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الفاتحة : ٢ ] كانت الضمة والفتحة والكسرة من تمام لفظ القرآن.


الصفحة التالية
Icon