والسلف اتفقوا على أن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. فظن بعض الناس أن مرادهم : أنه قديم العين، ثم قالت طائفة : هو معنى واحد، هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي، والخبر بكل مخبر، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا. وهذا القول مخالف للشرع والعقل.
وقالت طائفة : هو حروف وأصوات قديمة الأعيان لازمة لذات الله لم تزل لازمة لذاته، وإن الباء والسين والميم موجودة مقترنة بعضها ببعض معًا أزلا وأبدًا، لم تزل ولا تزال لم يسبق منها شىء شيئًا. وهذا أيضًا مخالف للشرع والعقل.
وقالت طائفة : إن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وإنه في الأزل كان متكلمًا بالنداء الذي سمعه موسى، وإنما تجدد استماع موسى لا أنه ناداه حين أتى الوادي المقدس، بل ناداه قبل ذلك بما لا يتناهى، ولكن تلك الساعة سمع النداء. وهؤلاء وافقوا الذين قالوا : إن القرآن / مخلوق في أصل قولهم؛ فإن أصل قولهم : إن الرب لا تقوم به الأمور الاختيارية، فلا يقوم به كلام، ولا فعل باختياره ومشيئته، وقالوا : هذه حوادث، والرب لا تقوم به الحوادث. فخالفوا صحيح المنقول وصريح المعقول، واعتقدوا أنهم بهذا يردون على الفلاسفة، ويثبتون حدوث العالم، وأخطؤوا في ذلك، فلا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا، وادعوا أن الرب لم يكن قادرًا في الأزل على كلام يتكلم به ولا فعل يفعله، وأنه صار قادرًا بعد أن لم يكن قادرًا بغير أمر حدث، أو يغيرون العبارة فيقولون : لم يزل قادرًا، لكن يقولون : إن المقدور كان ممتنعًا، وإن الفعل صار ممكنًا له بعد أن صار ممتنعًا عليه من غير تجدد شيء.