ومما يوضح ذلك أن الفقهاء قالوا في [ آداب الخلاء ] : إنه لا يستصحب ما فيه ذكر الله، واحتجوا بالحديث الذي في السنن : أن النبي ﷺ كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه. وكان خاتمه مكتوبًا عليه :[ محمد رسول الله ] محمد سطر، رسول سطر، الله سطر. ولم يمنع أحد من العلماء أن يستصحب ما يكون فيه كلام العباد وحروف الهجاء مثل ورق الحساب الذي يكتب فيه أهل الديوان الحساب، ومثل الأوراق التي يكتب فيها الباعة ما يبيعونه ونحو ذلك.
وفي السيرة أن النبي ﷺ لما صالح غطفان على نصف تمر المدينة، أتاه سعد فقال له : أهذا شيء أمر الله به فَسَمْعًا وطاعة، أم شيء تفعله لمصلحتنا ؟ فبين له النبي ﷺ أنه لم يفعل ذلك بوحي، بل فعله باجتهاده، فقال : لقد كنا في الجاهلية / وما كانوا يأكلون منها تمرة إلا بِقِرًى [ أي : بضيافة الضيف ]. أو بشراء، فلما أعزنا الله بالإسلام يريدون أن يأكلوا تمرنا ! لا يأكلون تمرة واحدة، وبَصَق سعد في الصحيفة وقطعها. فأقره النبي ﷺ على ذلك ولم يقل هذه حروف، فلا يجوز إهانتها والبصاق فيها، وأيضًا، فقد كره السلف مَحْوَ القرآن بالرجل ولم يكرهوا محو ما فيه كلام الآدميين.
وأما قول القائل : إن الحروف قديمة أو حروف المعجم قديمة، فإن أراد جنسها فهذا صحيح، وإن أراد الحرف المعين فقد أخطأ؛ فإن له مبدأ ومنتهى، وهومسبوق بغيره، وما كان كذلك لم يكن إلا محدثًا.