وهؤلاء الذين يحتجون على نفي الخلق أو إثبات القدم بشيء من صفات العباد وأعمالهم ـ لوجود نظير ذلك فيما يضاف إلى الله وكلامه والإيمان به ـ شاركهم في هذا الأصل الفاسد من احتج على خلق ما هو من كلام الله وصفاته، بأن ذلك قد يوجد نظيره فيما يضاف إلى العبد. مثال ذلك : أن القرآن الذي يقرؤه المسلمون هو كلام الله، قرؤوه بحركاتهم وأصواتهم. فقال الجهمي : أصوات العباد ومدادهم مخلوقة، وهذا / هو المسمى بكلام الله، أو يوجد نظيره في المسمى بكلام الله، فيكون كلام الله مخلوقًا.
وقال الحلولي الاتحادي ـ الذي يجعل صفة الخالق هي عين صفة المخلوق ـ الذي نسمعه من القراء هو كلام الله، وإنما نسمع أصوات العباد، فأصوات العباد بالقرآن كلام الله، وكلام الله غير مخلوق فأصوات العباد بالقرآن غير مخلوقة، والحروف المسموعة منهم غير مخلوقة، ثم قالوا : الحروف الموجودة في كلامهم هي هذه أو مثل هذه فتكون غير مخلوقة، وزاد بعض غلاتهم فجعل أصوات كلامهم غير مخلوقة، كما زعم بعضهم أن الأعمال من الإيمان وهو غير مخلوق، والأعمال غير مخلوقة. وزاد بعضهم أعمال الخير والشر، وقال : هي القدر والشرع المشروع، وقال عمر : ما مرادنا بالأعمال الحركات، بل الثواب الذي يأتي يوم القيامة، كما ورد في الحديث الصحيح :( إنه تأتى البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أوغيايتان، أو فرقان من طير صواف )، فيقال له : و هذا الثواب مخلوق. وقد نص أحمد وغيره من الأئمة على أنه غير مخلوق، وبذلك أجابوا من احتج على خلق القرآن بمثل هذا الحديث، فقالوا له : الذي يجىء يوم القيامة هو ثواب القرآن لا نفس القرآن، وثواب القرآن مخلوق، إلى أمثال هذه الأقوال التي ابتدعها طوائف، والبدع تنشأ شيئًا فشيئًا، وقد بسط الكلام في هذا الباب في مواضع أخر.


الصفحة التالية
Icon