وأما في أثناء السور فكثير جدًا، وثنى قصة موسى مع فرعون؛ لأنهما في طرفي نقيض في الحق والباطل؛ فإن فرعون في غاية الكفر والباطل حيث كفر بالربوبية وبالرسالة، وموسى في غاية الحق والإيمان من جهة أن الله كلمه تكليما لم يجعل الله بينه وبينه واسطة من خلقه، فهو مثبت لكمال الرسالة وكمال التكلم، ومثبت لرب العالمين بما استحقه من النعوت، وهذا بخلاف أكثر الأنبياء مع الكفار؛ فإن الكفار أكثرهم لا يجحدون وجود الله ولم يكن - أيضًا - للرسل من التكليم ما لموسى، فصارت قصة موسى وفرعون أعظم القصص وأعظمها اعتبارًا لأهل الإيمان ولأهل الكفر؛ ولهذا كان النبي ﷺ يقص على أمته عامة ليله عن بني إسرائيل، وكان يتأسى بموسى في أمور كثيرة، ولما بشر بقتل أبي جهل يوم بَدْر قال :( هذا فرعون هذه الأمة )، وكان فرعون وقومه من الصابئة المشركين الكفار؛ ولهذا كان يعبد آلهة من دون الله، كما أخبر الله عنه بقوله :﴿ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ﴾ [ الأعراف : ١٢٧ ] وإن كان عالما بما جاء به موسى مستيقنا له، لكنه كان جاحدًا مثبورًا، كما أخبر الله بذلك في قوله :﴿ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ الآية [ النمل : ١٣، ١٤ ] وقال تعالى :/ ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ﴾ إلى قوله :﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ ﴾ الآية [ الإسراء : ١٠١، ١٠٢ ].


الصفحة التالية
Icon