ولما تكلموا في [ حروف المعجم ] صاروا بين قولين : طائفة فرقت بين المتماثلين، فقالت : الحرف حرفان، هذا قديم وهذا مخلوق، كما قال ابن حامد والقاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيرهم، فأنكر ذلك عليهم الأكثرون وقالوا : هذا مخالفة للحس والعقل؛ فإن حقيقة هذا الحرف هي حقيقة هذا الحرف، وقالوا : الحرف حرف واحد. وصنف في ذلك القاضي يعقوب البَرْزَبَيْني [ وهو يعقوب بن إبراهيم البرزبيني، من فقهاء الحنابلة، من أهل [ برزبين ] من قرى بغداد، تفقه ببغداد، وولى بها قضاء باب الأزج، له كتب في الأصول والفروع منها [ التعليقة ] في الفقه والخلاف، ولد سنة ٤٠٩هـ، وتوفى سنة ٤٨٦هـ ]. مصنفًا خالف به شيخه القاضي أبا يعلى مع قوله في مصنفه : وينبغي أن يعلم أن ما سطرته في هذه المسألة أن ذلك مما استفدته وتفرع عندي من شيخنا وإمامنا القاضي أبي يعلى ابن الفراء، وإن كان قد نصر خلاف ما ذكرته في هذا الباب، فهو العالم المقتدى به في علمه ودينه، فإني ما رأيت أحسن سمتا منه، ولا أكثر اجتهادًا منه، ولا تشاغلا بالعلم، مع كثرة العلم والصيانة والانقطاع عن الناس والزهادة فيما بأيديهم، والقناعة في الدنيا باليسير، مع حسن التجمل، وعظم حشمته عند الخاص والعام، ولم يعدل بهذه الأخلاق شيئًا من نفر من الدنيا.


الصفحة التالية
Icon