وإن أريد بذلك أنهما اشتركا في مسمى العلم والقدرة والكلام فهذا صحيح، كما أنه إذا قيل : إنه موجود أو أن له ذاتا فقد اشتركا في مسمى الوجود والذات، لكن هذا المشترك أمر كلي لا يوجد كليًا إلا في الأذهان لا في الأعيان، فليس في الخارج شيء اشترك فيه مخلوقان كاشتراك الجزئيات في كلياتها بخلاف اشتراك الأجزاء في الكل، فإنه يجب الفرق بين قسمة الكلى إلى جزئياته، كقسمة الحيوان إلى / ناطق وغير ناطق، وقسمة الإنسان إلى مسلم وكافر، وقسمة الاسم إلى معرب ومبني، وقسمة الكل إلى أجزائه؛ كقسمة العقار بين الشركاء، وقسمة الكلام إلى اسم وفعل وحرف، ففي الأول إنما اشتركت الأقسام في أمر كلي، فضلا عن أن يكون الخالق والمخلوقون مشتركين في شيء موجود في الخارج، وليس في الخارج صفة لله يماثل بها صفة المخلوق، بل كل ما يوصف به الرب ـ تعالى ـ فهو مخالف بالحد والحقيقة، لما يوصف به المخلوق أعظم مما يخالف المخلوق المخلوق، وإذا كان المخلوق مخالفًا بذاته وصفاته لبعض المخلوقات في الحد والحقيقة، فمخالفة الخالق لكل مخلوق في الحقيقة أعظم من مخالفة أي مخلوق فرض لأي مخلوق فرض، ولكن علمه ثبت له حقيقة العلم، ولقدرته حقيقة القدرة، ولكلامه حقيقة الكلام، كما ثبت لذاته حقيقة الذاتية، ولوجوده حقيقة الوجود، وهو أحق بأن تثبت له صفات الكمال على الحقيقة من كل ما سواه.
فهذا هو المراد بقولنا : علمه يشارك علم المخلوق في الحقيقة، فليس ما يسمع من العباد من أصواتهم مشابهًا ولا مماثلا لما سمعه موسى من صوته، إلا كما يشبه ويماثل غير ذلك من صفاته لصفات المخلوقين، فهذا في نفس تكلمه ـ سبحانه وتعالى ـ بالقرآن، والقرآن عند الإمام أحمد وسائر أئمة السنة كلامه تكلم به، وتكلم بالقرآن العربي بصوت نفسه، وكلم موسى بصوت نفسه الذي لا يماثل شيئًا من أصوات العباد.