فنص أحمد على ما جاء به الكتاب والسنة أنا نقرأ القرآن بأصواتنا، والقرآن كلام الله كله، لفظه ومعناه، سمعه جبريل من الله وبلَّغه إلى محمد ﷺ وسمعه محمد منه، وبلَّغه محمد إلى الخلق، والخلق يبلغه بعضهم إلى بعض، ويسمعه بعضهم من بعض، ومعلوم أنهم إذا سمعوا كلام النبي ﷺ وغيره فبلغوه عنه، كما قال :( نَضَّرَ الله امرأ سمع منا حديثًا فبلَّغه كما سمعه ) [ كلهم عن عبد الله بن مسعود. وقوله :( نَضَّر ) : من النضارة، وهي حسن الوجه والبريق وإنما أراد : حسن الله خُلُقه وقدره ]، فهم سمعوا اللفظ من الرسول بصوت نفسه بالحروف التي تكلم بها وبلغوا لفظه بأصوات أنفسهم، وقد علم الفرق بين من يروي الحديث بالمعنى لا باللفظ، واللفظ المبلغ هو لفظ الرسول وهو كلام الرسول؛ فإنه كان صوت / المبلغ ليس صوت الرسول، وليس ما قام بالرسول من الصفات والأعراض فارقته وما قامت بغيره، بل ولا تقوم الصفة والعرض بغير محله، وإذا كان هذا معقولا في صفات المخلوقين فصفات الخالق أولى بكل صفة كمال، وأبعد عن كل صفة نقص، والتباين الذي بين صفة الخالق والمخلوق أعظم من التباين الذي بين صفة مخلوق ومخلوق، وامتناع الاتحاد والحلول بالذات للخالق وصفاته في المخلوق أعظم من الاتحاد والحلول بالذات للمخلوق وصفاته في المخلوق، وهذه جمل قد بسطت في مواضع أخر.
هذا مع أن احتجاج الجهمية والمعتزلة بأن كلام المخلوق بقوله :﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [ مريم : ١٢ ] مثل كلام الخالق، غلط باتفاق الناس حتى عندهم؛ فإن الذين يقولون : هو مخلوق يقولون : إنه خلقه في بعض الأجسام، إما الهواء أو غيره، كما يقولون : إنه خلق الكلام في نفس الشجرة فسمعه موسى.