وتنازع العلماء، هل يكره تشكيل المصاحف وتنقيطها ؟ على قولين معروفين، وهما روايتان عن الإمام أحمد، لكن لا نزاع بينهم أن المصحف إذا شكل ونقط وجب احترام الشكل والنقط، كما يجب احترام الحرف، ولا تنازع بينهم أن مداد النقطة والشكل مخلوق، كما أن مداد الحرف مخلوق، ولا نزاع بينهم أن الشكل يدل على الإعراب، والنقط يدل على الحروف، وأن الإعراب من تمام الكلام العربي.
ويروى عن أبي بكر وعمر أنهما قالا : حفظ إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، ولا ريب أن النقطة والشكلة بمجردهما لا حكم لهما ولا حرمة ولا ينبغي أن يجرد الكلام فيهما، ولا ريب أن إعراب القرآن العربي من تمامه، ويجب الاعتناء بإعرابه، والشكل يبين إعرابه كما تبين الحروف المكتوبة للحرف المنطوق، كذلك يبين الشكل المكتوب للإعراب المنطوق.
فهذه المسائل إذا تصورها الناس على وجهها تصورًا تامًا ظهر لهم الصواب، وقَلَّت الأهواء والعصبيات، وعرفوا موارد النزاع، فمن تبين له الحق في شيء من ذلك اتبعه، ومن خفي عليه توقف حتى يبينه الله له، وينبغي له أن يستعين على ذلك بدعاء الله، ومن أحسن ذلك ما رواه مسلم ـ في صحيحه ـ عن عائشة : أن النبي ﷺ كان إذا قام من الليل يصلي يقول :( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).