ثم قالوا : وإذا جاز أن تكون هذه الصفة هي الأخرى جاز أن تكون الصفة هي الموصوف، فجاء ابن عربي وابن سبعين، والقونوي ونحوهم من الملاحدة فقالوا : إذا جاز أن تكون هذه الصفة هي الأخرى والصفة هي الموصوف، جاز أن يكون الموجود الواجب القديم الخالق هو الموجود الممكن المحدث المخلوق، فقالوا : إن وجود كل مخلوق هو عين وجود الخالق، وقالوا : الوجود واحد، ولم يفرقوا بين الواحد بالنوع والواحد / بالعين، كما لم يفرق أولئك بين الكلام الواحد بالعين والكلام الواحد بالنوع.
وكان منتهى أمر أهل الإلحاد في الكلام إلى هذا التعطيل والكفر والاتحاد، الذي قاله أهل الوحدة والحلول والاتحاد في الخالق والمخلوقات، كما أن الذين لم يفرقوا بين نوع الكلام وعينه، قالوا هو يتكلم بحرف وصوت قديم، قالوا أولا : إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا تسبق الباء السين بل لما نادى موسى فقال ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [ طه : ١٤ ] ﴿ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ القصص : ٣٠ ]، كانت الهمزة والنون وما بينهما موجودات في الأزل يقارن بعضها بعضًا، لم تزل ولا تزال لازمة لذات الله تعالى.
ثم قال فريق منهم : إن ذلك القديم هو نفس الأصوات المسموعة من القراء. وقال بعضهم : بل المسموع صوتان قديم ومحدث. وقال بعضهم : أشكال المداد قديمة أزلية. وقال بعضهم : محل المداد قديم أزلي. وحكي عن بعضهم أنه قال : المداد قديم أزلي. وأكثرهم يتكلمون بلفظ القديم ولا يفهمون معناه بل منهم من يظن أن معناه أنه قديم في علمه، ومنهم من يظن أن معناه متقدم على غيره، ومنهم من يظن أن معنى اللفظ أنه غير مخلوق، ومنهم من لا يميز بين ما يقول، فصار هؤلاء حلولية اتحادية في الصفات، ومنهم من يقول بالحلول والاتحاد في / الذات والصفات، وكان منتهى أمر هؤلاء وهؤلاء إلى التعطيل.