فتبين أنه ليس لهم حجة لا على صدقه، ولا على تنزيهه عن العيب في خطابه، فإن ذلك إنما يكون ممن ينزهه عن بعض الأفعال، وتبين بذلك أنهم لا يثبتون عدله ولا حكمته، ولا رحمته ولا صدقه، والمعتزلة قصدهم إثبات هذه الأمور؛ ولهذا يذكرونها في خطبة الصفات، كما يذكرها أبو الحسين البصري وغيره، كما ذكر في أول صور الأدلة خطبة مضمونها : إن اللّه واحد عدل ﴿ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [ يونس : ٤٤ ]، و ﴿ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] وأظن فيها إثبات صدقه؛ ولهذا يكفرون من يجوزه، أو يكذبه، أو يسفهه، أو يشبهه، ولكن قد غلطوا في مواضع كثيرة، كما قد نبه على هذا في غير موضع، فكلا الطائفتين معها حق وباطل، ولم يستوعب الحق إلا من اتبع المهاجرين والأنصار، وآمن بما جاء به الرسول كله على وجهه، لم يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وهؤلاء هم أهل الرحمة الذين لا يختلفون، بخلاف أولئك المختلفين، قال تعالى :﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [ هود : ١١٨، ١١٩ ].


الصفحة التالية
Icon