فأما نفس إثبات الصانع ووحدانيته، وعلمه وقدرته، ومشيئته وحكمته، ورحمته ونحو ذلك ـ فهذا لا يعلم بالأدلة العقلية، وإن كانت الأدلة والآيات التي يأتي بها الأنبياء هي أكمل الأدلة العقلية، لكن معرفة هذه ليست مقصورة على الخبر المجرد، وإن كانت أخبار الأنبياء المجردة تفيد العلم اليقيني أيضًا، فيعلم بالأدلة العقلية التي أرشدوا إليها، ويعلم بمجرد خبرهم لما علم صدقهم بالأدلة والآيات والبراهين التي دلت على صدقهم.
وقد تنازع الناس في العلم بالمعاد، وبحسن الأفعال وقبحها. فأكثر الناس يقولون : إنه يعلم بالعقل مع السمع، والقائلون بأن العقل يعلم به الحسن والقبح أكثر من القائلين بأن المعاد يعلم بالعقل، قال أبو الخطاب : هو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين، ومنهم من يقول : المعاد والحسن والقبح لا يعلم إلا بمجرد الخبر، وهو قول الأشعري وأصحابه ومن وافقهم من أتباع الأئمة كالقاضي أبي يعلي، وأبى المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي وغيرهم، وكلهم متفقون على أن من العلوم ما يعلم بالعقل والسمع الذي هو مجرد الخبر، مثل كون أفعال العباد مخلوقة للّه أو غير مخلوقة، وكون رؤيته ممكنة أو ممتنعة ونحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon