وأيضًا، فإن الأنبياء والرسل إنما بعثوا بتعريف هذا، فهم أعلم الناس به وأحقهم بقيامه وأولاهم بالحق فيه.
وأيضًا، فمن جرب ما يقولونه ويقوله غيرهم وجد الصواب معهم، والخطأ مع مخالفيهم، كما قال الرازي ـ مع أنه من أعظم الناس طعنًا في الأدلة السمعية، حتى ابتدع قولاً ما عرف به قائل مشهور غيره، وهو أنها لا تفيد اليقين، ومع هذا فإنه يقول ـ : لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروى غليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ [ فاطر : ١٠ ]، ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [ طه : ٥ ]، واقرأ في النفي :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [ الشورى : ١١ ]، ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [ طه : ١١٠ ]، قال : ومن جَرَّب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي.
وأيضًا، فمن اعتبر ما عند الطوائف الذين لم يعتصموا بتعليم الأنبياء وإرشادهم وإخبارهم وجدهم كلهم حائرين، ضالين شاكين مرتابين، أو جاهلين جهلا مركبًا، فهم لا يخرجون عن المثلين اللذين في القرآن :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾ [ النور : ٣٩، ٤٠ ].