وهذا مثل لفظ [ المركب ] و [ الجسم ] و [ المتحيز ] و [ الجوهر ] و [ الجهة ] و [ العرض ] ونحو ذلك، ولفظ [ الحيز ] ونحو ذلك، فإن هذه الألفاظ، لا توجد في الكتاب والسنة بالمعنى الذي يريده أهل هذا الاصطلاح، بل ولا في اللغة أيضًا، بل هم يختصون بالتعبير بها على معان لم يعبر غيرهم عن تلك المعاني بهذه الألفاظ، فيفسر تلك المعاني بعبارات أخرى، ويبطل ما دل عليه القرآن بالأدلة العقلية والسمعية، وإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل، وعرف وجه الكلام على أدلتهم، فإنها ملفقة من مقدمات مشتركة، يأخذون اللفظ المشترك في إحدى المقدمتين بمعنى، وفي المقدمة الأخرى بمعنى آخر، فهو في صورة اللفظ دليل، وفي المعنى ليس بدليل، كمن يقول : سهيل بعيد من الثريا، لا يجوز أن يقترن بها، ولا يتزوجها، والذي قال :
أيها المنكح الثريا سهيلا
أراد امرأة اسمها الثريا، ورجلا اسمه سهيل. ثم قال :
عمرك اللّه كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت ** وسهيل إذا استقل يمان
وهذا لفظ مشترك، فجعل يعجبه، وإنكاره من الظاهر من جهة اللفظ المشترك، وقد بسط الكلام على أدلتهم المفصلة في غير موضع.
والأصل الذي بني عليه نفاة الصفات وعطلوا ما عطلوه حتى صار منتهاهم إلى قول فرعون الذي جحد الخالق، وكذب رسوله موسي في أن اللّه كلمه، هو استدلالهم على حدوث العالم بأن الأجسام محدثة، واستدلالهم على ذلك بأنها لا تخلو من الحوادث، ولم تسبقها، وما لم يخل من الحوادث ولم يسبقها فهو محدث، وهذا أصل قول الجهمية الذين أطبق السلف والأئمة على ذمهم، وأصل قول المتكلمين الذين أطبقوا على ذمهم، وقد صنف الناس مصنفات متعددة فيها أقوال السلف والأئمة في ذم الجهمية، وفي ذم هؤلاء المتكلمين.


الصفحة التالية
Icon