وثَمَّ طائفة كثيرة تقول : إنه تقوم به الحوادث وتزول، وإنه كلم موسى بصوت وذلك الصوت عدم، وهذا مذهب أئمة السنة والحديث من السلف وغيرهم، وأظن الكرامية لهم في ذلك قولان، وإلا فالقول بفناء الصوت الذي كلم به موسى من جنس القول بقدمه، كما يقول ذلك من يقوله من أهل الكلام والحديث والفقه من السالمية وغيرهم، ومن الحنبلية والشافعية والمالكية، يقول : إنه كلم موسى بصوت سمعه موسى، وذلك الصوت قديم، وهذا القول يعرف فساده ببديهة العقل، وكذلك قول من يقول : كلمة بصوت حادث، وأن ذلك الصوت باق لا يزال هو وسائر ما يقوم به من الحوادث، هي أقوال يعرف فسادها بالبديهة.
وإنما أوقع هذه الطوائف في هذه الأقوال ذلك الأصل الذي تلقوه عن الجهمية، وهو أن ما لم يخل من الحوادث فهو حادث، وهو باطل عقلاً وشرعًا، وهذا الأصل فاسد مخالف للعقل والشرع، وبه استطالت عليهم الفلاسفة الدهرية، فلا للإسلام نصروا، ولا لعدوه كسروا، بل قد خالفوا السلف والأئمة، وخالفوا العقل والشرع، وسلطوا عليهم وعلى المسلمين عدوهم، من الفلاسفة والدهرية والملاحدة بسبب غلطهم في هذا الأصل الذي جعلوه أصل دينهم، ولو اعتصموا بما جاء به الرسول لوافقوا المنقول والمعقول، وثبت لهم الأصل، ولكن ضيعوا الأصول فحرموا الوصول، والأصول اتباع ما جاء به الرسول.