قلت لبعض هؤلاء : هذا الكلام الذي ذكره هذا عن موسى وهارون يوافق القرآن أو يخالفه ؟ فقال : لا بل يخالفه، قلت : فاختر لنفسك إما القرآن وإما كلام ابن عربي.
وكذلك قال عن نوح قال : لو أن نوحًا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه؛ أي ذكر لهم فدعاهم جهارًا ثم دعاهم إسرارًا إلى أن قال : ولما علموا أن الدعوة إلى اللّه مكر بالمدعو؛ لأنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية ﴿ أَدْعُو إِلَى اللّهِ ﴾ فهذا عين المكر ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ [ يوسف : ١٠٨ ]، فنبه أن الأمر كله للّه فأجابوه مكرًا كما دعاهم، فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى اللّه ما هي من حيث هويته، وإنما هي من حيث أسمائه، فقال :﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [ مريم : ٨٥ ] فجاء بحرف الغاية وقرنها بالاسم، فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة اسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين، فقالوا في مكرهم :﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [ نوح : ٢٣ ] فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء؛ فإن للحق في كل معبود وجهًا يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله، كما قال في المحمديين :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ] أي حكم، فالعارف يعرف من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير اللّه في كل معبود.


الصفحة التالية
Icon