فَصْل
أول التفرق والابتداع في الإسلام بعد مقتل عثمان وافتراق المسلمين، فلما اتفق علي ومعاوية على التحكيم أنكرت الخوارج وقالوا : لا حكم إلا للّه، وفارقوا جماعة المسلمين، فأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نصفهم، والآخرون أغاروا على ماشية الناس واستحلوا دماءهم، فقتلوا ابن خباب، وقالوا : كلنا قتله فقاتلهم على، وأصل مذهبهم تعظيم القرآن وطلب اتباعه، لكن خرجوا عن السنة والجماعة، فهم لا يرون اتباع السنة التي يظنون أنها تخالف القرآن كالرجم ونصاب السرقة وغير ذلك فضلوا؛ فإن الرسول أعلم بما أنزل اللّه عليه، واللّه قد أنزل عليه الكتاب والحكمة، وجوزوا على النبي أن يكون ظالما فلم ينفذوا لحكم النبي ولا لحكم الأئمة بعده بل قالوا : إن عثمان وعليًا ومن والاهما قد حكموا بغير ما أنزل اللّه ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [ المائدة : ٤٤ ] فكفروا المسلمين بهذا وبغيره، وتكفيرهم وتكفير سائر أهل البدع مبني على مقدمتين باطلتين :
إحداهما : أن هذا يخالف القرآن.
والثانية : أن من خالف القرآن يكفر ولو كان مخطئًا أو مذنبًا معتقدًا للوجوب والتحريم.
وبإزائهم الشيعة، غلوا في الأئمة، وجعلوهم معصومين يعلمون كل شيء، وأوجبوا الرجوع إليهم في جميع ما جاءت به الرسل، فلا يعرجون لا على القرآن ولا على السنة، بل على قول من ظنوه معصومًا وانتهى الأمر إلى الائتمام بإمام معدوم لا حقيقة له، فكانوا أضل من الخوارج، فإن أولئك يرجعون إلى القرآن وهو حق وإن غلطوا فيه، وهؤلاء لا يرجعون إلى شىء بل إلى معدوم لا حقيقة له، ثم إنما يتمسكون بما ينقل لهم عن بعض الموتى، فيتمسكون بنقل غير مصدق عن قائل غير معصوم؛ ولهذا كانوا أكذب الطوائف، والخوارج صادقون، فحديثهم من أصح الحديث، وحديث الشيعة من أكذب الحديث.


الصفحة التالية
Icon