فهؤلاء نفوا حكمته وعدله، وأولئك نفوا قدرته ومشيئته أو قدرته ومشيئته وعلمه، وهؤلاء ضاهوا المجوس في الإشراك بربوبيته حيث جعلوا غيره خالقًا، وأولئك ضاهوا المشركين الذين لا يفرقون بين عبادته وعبادة غيره، بل يجوزون عبادة غيره كما يجوزون عبادته، ويقولون :﴿ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾ الآية [ الأنعام : ١٤٨ ]، وهؤلاء منتهى توحيدهم توحيد المشركين وهو توحيد الربوبية، فأما توحيد الإلهية المتضمن للأمر والنهي ولكون اللّه يحب ما أمر به ويبغض ما نهي عنه ـ فهم ينكرونه ـ ولهذا هم أكثر اتباعًا لأهوائهم، وأكثر شركًا وتجويزًا من المعتزلة، ومنتهى متكلميهم وعبادهم تجويز عبادة الأصنام، وأن العارف لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة، كما ذكر ذلك صاحب منازل السائرين، وأما عبادة الأصنام فباح بها متأخروهم كالرازي صنف فيها مصنفًا، وابن عربي وابن سبعين وأمثالهما يصرحون بجواز عبادتها، وبالإنكار على من أنكر ذلك، وهم متناقضون في ذلك.
فالقدرية أصلهم : أنه لا يمكن إثبات قدرته وحكمته؛ إذ لو كان قادرًا لفعل غير ما فعل، فلما لم يفعله دل على أنه غير قادر، وقالوا : تثبت حكمته كما يثبت حكمه؛ لأن نفي ذلك يوجب السفه والظلم وهو منزه عنه، بخلاف ما لم يقدر عليه فإنه معذور إذا لم يفعله، فلا يلام عليه. وقالت المجبرة : بل قدرته ثابتة بلا حكمة، ولا يجوز أن يفعل لحكمة؛ لأن ذلك إنما يكون لمن يحتاج إلى الفعل وهو منزه عن الحاجة، ولا عدل ولا ظلم، بل كل ما أمكن فعله فهو عدل، وليس في الأفعال ما هو حسن ينبغي الأمر به، وقبيح ينبغي النهي عنه، ولا معروف ومنكر، بل يجوز أن يأمر بكل شىء، وينهى عن كل شىء.