فمنتهى الجهمية المجبرة إما مشركون ظاهرًا وباطنًا، وإما منافقون يبطنون الشرك؛ ولهذا يظنون باللّه ظن السوء، وأنه لا ينصر محمدًا وأتباعه، كما قال تعالى :﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ﴾ [ الفتح : ٦ ] وهم يتعلقون بقوله :﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ [ الأنبياء : ٣٢ ]، وبأنه ﴿ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ [ آل عمران : ٤٠ ]، ولذلك لما ظهر المشركون التتار وأهل الكتاب كثر في عبادهم وعلمائهم من صار مع المشركين وأهل الكتاب، وارتد عن الإسلام إما باطنًا وظاهرًا، وإما باطنًا وقال : إنه مع الحقيقة، ومع المشيئة الإلهية، وصاروا يحتجون لمن هو معظم للرسل عما لا يوافق على تكذيبه بأن ما يفعله من الشرك والخروج عن الشريعة وموالاة المشركين وأهل الكتاب والدخول في دينهم ومجاهدة المسلمين معهم هو بأمر الرسول، فتارة تأتيهم شياطينهم بما يخيلون لهم أنه مكتوب من نور، وأن الرسول أمر بقتال المسلمين مع الكفار، لكون المسلمين قد عصوا.
ولما ظهر أن مع المشركين وأهل الكتاب خفراء لهم من الرجال المسمين برجال الغيب، وأن لهم خوارق تقتضى أنهم أولياء اللّه ـ صار الناس من أهل العلم ثلاثة أحزاب :
حزب يكذبون بوجود هؤلاء، ولكن عاينهم الناس، وثبت ذلك عمن عاينهم، أو حدثه الثقاة بما رأوه، وهؤلاء إذا رأوهم أو تيقنوا وجودهم خضعوا لهم.
وحزب عرفوهم ورجعوا إلى القدر، واعتقدوا أن ثم في الباطن طريقًا إلى اللّه غير طريقة الأنبياء.