وحدثني الثقة عنه أنه كان يقول : الأنبياء ضيعوا الطريق، ولعمري لقد ضيعوا طريق الشياطين؛ شياطين الإنس والجن. وهؤلاء المشايخ، الذين يحبون المسلمين ولكن يوالون الشيوخ الذين يوالون المشركين الذين هم خفراء الكفار، ويظنون أنهم من أولياء اللّه، اشتركوا هم وهم في أصل ضلالة، وهو : أنهم جعلوا الخوارق الشيطانية من جنس الكرامات الرحمانية، ولم يفرقوا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كما قال تعالى :﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [ الزخرف : ٣٦ ] فهؤلاء وهؤلاء عشوا عن ذكر الرحمن الذي أنزله، وهو الكتاب والسنة، وعن الروح الذي أوحاه اللّه إلى نبيه الذي جعله اللّه نورًا يهدي به من يشاء من عباده، وبه يحصل الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ولم يفرقوا بين آيات الأنبياء ومعجزاتهم وبين خوارق السحرة والكهان؛ إذ هذا [ مذهب الجهمية المجبرة ].
وهؤلاء كلهم يشتركون في هذا المذهب فلا يجعلون اللّه يحب ما أمر به ويبغض ما نهى عنه، بل يجعلون كل ما قدره وقضاه فإنه يحبه ويرضاه، فبقى جميع الأمور عندهم سواه، وإنما يتميز بنوع من الخوارق؛ فمن كان له خارق جعلوه من أولياء اللّه، وخضعوا له إما اتباعًا له وإما موافقة له ومحبة، وإما أن يسلموا له حاله فلا يحبوه ولا يبغضوه؛ إذ كانت قلوبهم لم يبق فيها من الإيمان ما يعرفون به المعروف، وينكرون به المنكر في هذا الموضع.