قول الرجل :[ الباطن ]، إما أن يريد علم الأمور الباطنة، مثل : العلم بما في القلوب من المعارف والأحوال، والعلم بالغيوب التي أخبرت بها الرسل، وإما أن يريد به العلم الباطن، أي الذي يبطن عن فهم أكثر الناس، أو عن فهم من وقف مع الظاهر ونحو ذلك.
فأما الأول، فلا ريب أن العلم منه ما يتعلق بالظاهر، كأعمال الجوارح. ومنه ما يتعلق بالباطن، كأعمال القلوب. ومنه ما هو علم بالشهادة، وهو ما يشهده الناس بحواسهم. ومنه ما يتعلق بالغيب، وهو ما غاب عن إحساسهم.
وأصل الإيمان هو الإيمان بالغيب، كما قال تعالى :﴿ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [ البقرة : ١ـ ٣ ] والغيب الذي يؤمن به ما أخبرت به الرسل من الأمور العامة، ويدخل في ذلك الإيمان باللّه وأسمائه وصفاته، وملائكته والجنة، والنار. فالإيمان باللّه وبرسله وباليوم الآخر يتضمن الإيمان بالغيب؛ فإن وصف الرسالة هو من الغيب، وتفصيل ذلك هو الإيمان باللّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، كما ذكر اللّه تعالى ذلك في قوله :﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ]، وقال :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴾ [ النساء : ١٣٦ ].


الصفحة التالية
Icon