وهؤلاء الباطنية قد يفسرون :﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [ يس : ١٢ ]، أنه عليّ، ويفسرون قوله تعالى :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [ المسد : ١ ] بأنهما أبو بكر وعمر، وقوله :﴿ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ﴾ [ التوبة : ١٢ ] أنهم طلحة والزبير، و ﴿ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ﴾ [ الإسراء : ٦٠ ] بأنها بنو أمية.
وأما باطنية الصوفية فيقولون في قوله تعالى :﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن ﴾ [ النازعات : ١٧ ] : إنه القلب، و ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ﴾ [ البقرة : ٦٧ ] : إنها النفس، ويقول أولئك : هي عائشة، ويفسرون هم والفلاسفة تكليم موسى بما يفيض عليه من العقل الفعال أو غيره، و يجعلون [ خلع النعلين ] ترك الدنيا والآخرة، ويفسرون [ الشجرة ] التي كلم منها موسى، و [ الواد المقدس ] ونحو ذلك بأحوال تعرض للقلب عند حصول المعارف له، وممن سلك ذلك صاحب [ مشكاة الأنوار ] وأمثاله، وهي مما أعظم المسلمون إنكاره عليه، وقالوا : أمرضه [ الشفاء ]، وقالوا : دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج فما قدر، ومن الناس من يطعن في هذه الكتب، ويقول : إنها مكذوبة عليه، وآخرون يقولون : بل رجع عنها، وهذا أقرب الأقوال؛ فإنه قد صرح بكفر الفلاسفة في مسائل، وتضليلهم في مسائل أكثر منها، وصرح بأن طريقتهم لا توصل إلى المطلوب.
وباطنية الفلاسفة يفسرون الملائكة والشياطين بقوى النفس، وما وعد الناس به في الآخرة بأمثال مضروبة لتفهيم ما يقوم بالنفس بعد الموت من اللذة والألم، لا بإثبات حقائق منفصلة يتنعم بها ويتألم بها. وقد وقع في هذا الباب في كلام كثير من متأخري الصوفية، ما لم يوجد مثله عن أئمتهم ومتقدميهم، كما وقع في كلام كثير من متأخري أهل الكلام والنظر من ذلك ما لا يوجد عن أئمتهم ومتقدميهم.