ومما يبين هذا : أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر، فليس هو من السابقين الأولين، ولا من أهل بيعة الرضوان، وغيره من الصحابة أعلم بحقائق الدين منه، وكان النبي ﷺ يحدثه وغيره بالحديث فيسمعونه كلهم، ولكن كان أبو هريرة أحفظهم للحديث ببركة حصلت له من جهة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي ﷺ حدثهم ذات يوم حديثًا فقال :( أيكم يبسط ثوبه فلا ينسى شيئًا سمعه ) ففعل ذلك أبو هريرة. وقد روى : أنه كان يجَزِّئ الليل ثلاثة أجزاء : ثلثًا يصلي، وثلثًا ينام، وثلثًا يدرس الحديث. ولم ينقل أحد قط عن أبي هريرة حديثًا يوافق الباطنية، ولا حديثًا يخالف الظاهر المعلوم من الدين.
ومن المعلوم أنه لو كان عنده شيء من هذا لم يكن بد أن ينقل عنه أحد شيئًا منه، بل النقول المتواترة عنه كلها تصدق ما ظهر من الدين، وقد روى من أحاديث صفات اللّه وصفات اليوم الآخر وتحقيق العبادات ما يوافق أصول أهل الإيمان، ويخالف قول أهل البهتان.
وأما ما يروى عن أبي سعيد الخراز وأمثاله في هذا الباب، وما يذكره أبو طالب في كتابه وغيره، وكلام بعض المشايخ الذي يظن أنه يقول بباطن يخالف الظاهر، وما يوجد من ذلك في كلام أبي حامد الغزالي أو غيره ـ فالجواب عن هذا كله أن يقال :
ما علم من جهة الرسول فهو نقل مصدق عن قائل معصوم، وما عارض ذلك فإما أن يكون نقلاً عن غير مصدق، أو قولا لغير معصوم. فإن كثيرًا مما ينقل عن هؤلاء كذب عليهم، والصدق من ذلك فيه ما أصابوا فيه تارة وأخطؤوا فيه أخرى، وأكثر عباراتهم الثابتة ألفاظ مجملة متشابهة، لو كانت من ألفاظ المعصوم لم تعارض الحكم المعلوم، فكيف إذا كانت من قول غير المعصوم ؟


الصفحة التالية
Icon