وذكر شيخ الإسلام عن شيخه يحيى بن عمار أنه كان يقول : المراد بذلك أحاديث الصفات، فكان يفسر ذلك بما يناقض قول أبي حامد من أقوال أهل الإثبات. والحديث ليس إسناده ثابتًا باتفاق أهل المعرفة، ولم يرو في أمهات كتب الحديث المعتمدة، فلا يحتاج إلى الكلام في تفسيره، وإذا قدر أن النبي ﷺ قاله فهو كلام مجمل ليس فيه تعيين لقول معين، فحينئذ فما من مدع يدعى أن المراد قوله، إلا كان لخصمه أن يقول نظير ذلك.
ولا ريب أن قول يحيى بن عمار وأبي إسماعيل الأنصاري ونحوهما من أهل الإثبات. أقرب من قول النفاة : إن هذا العلم هو من علم النبي ﷺ بالاتفاق وعلم الصحابة.
ومن المعلوم أن قول النفاة لا ينقله أحد عن النبي ﷺ ولا أصحابه، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، بخلاف مذهب المثبتة؛ فإن القرآن والحديث والآثار عن الصحابة مملوءة به، فكيف يحمل كلام النبي ﷺ على علم لم ينقله عنه أحد، ويترك حمله على العلم المنقول عنه وعن أصحابه ؟ !
وكذلك ما ذكره البخاري عن على ـ رضي اللّه عنه ـ أنه قال : حَدِّثُوا الناس بما يعرفون، ودَعُوا ما ينكرون، أتحبون أن يُكَذَِّب اللَّهُ ورسولُه. قد حمله أبو الوليد ابن رشد الحفيد الفيلسوف وأمثاله على علوم الباطنية الفلاسفة نفاة الصفات. وهذا تحريف ظاهر، فإن قول علي : أتحبون أن يكذب اللّه ورسوله، دليل على أن ذلك مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأقوال النفاة من الفلاسفة والجهمية والقرامطة والمعتزلة لم ينقل فيها مسلم عن النبي ﷺ شيئًا لا صحيحًا ولا ضعيفًا، فكيف يكذب اللّه ورسوله في شىء لم ينقله أحد عن اللّه ورسوله ؟ بخلاف ما رواه أهل الإثبات من أحاديث صفات الرب وملائكته، وجنته وناره، فإن هذا كثير مشهور قد لا تحتمله عقول بعض الناس، فإذا حدث به خيف أن يكذب اللّه ورسوله.


الصفحة التالية
Icon