وإذا ذكروا نزاع المتأخرين لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغًا لم يخالف إجماعًا؛ لأن كثيرًا من أصول المتأخرين محدث مبتدع في الإسلام، مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعًا، كخلاف الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، ممن قد اشتهرت لهم أقوال خالفوا فيها النصوص المستفيضة، المعلومة وإجماع الصحابة.
بخلاف ما يعرف من نزاع السلف فإنه لا يمكن أن يقال : إنه خلاف الإجماع وإنما يرد بالنص، وإذا قيل : قد أجمع التابعون على أحد قوليهم فارتفع النزاع، فمثل هذا مبني على مقدمتين :
إحداهما : العلم بأنه لم يبق في الأمة من يقول بقول الآخر وهذا متعذر.
الثانية : أن مثل هذا هل يرفع النزاع... [ بياض بالأصل ] مشهور، فنزاع السلف يمكن القول به إذا كان معه حجة؛ إذ... [ بياض بالأصل ] على خلافه، ونزاع المتأخرين لا يمكن... [ بياض بالأصل ] لأن كثيرًا منه قد تقدم الإجماع على خلافه، كما دلت النصوص على خلافه، ومخالفة إجماع السلف خطأ قطعًا.
وأيضًا، فلم يبق مسألة في الدين إلا وقد تكلم فيها السلف، فلا بد أن يكون لهم قول يخالف ذلك القول أو يوافقه، وقد بسطنا في غير هذا الموضع أن الصواب في أقوالهم أكثر وأحسن، وأن خطأهم أخف من خطأ المتأخرين، وأن المتأخرين أكثر خطأ وأفحش، وهذا في جميع علوم الدين؛ ولهذا أمثلة كثيرة يضيق هذا الموضع عن استقصائها، واللّه ـ سبحانه ـ أعلم.


الصفحة التالية
Icon