أحدهما : تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالفه، فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقاربًا أو مترادفًا، وهذا - واللّه أعلم - هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله. ومحمد بن جرير الطبري يقول في تفسيره : القول في تأويل قوله كذا وكذا، واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك، ومراده التفسير.
و المعنى الثاني ـ في لفظ السلف ـ وهو الثالث من مسمى التأويل مطلقًا ـ : هو نفس المراد بالكلام؛ فإن الكلام إن كان طلبًا كان تأويله نفس الفعل المطلوب، وإن كان خبرًا كان تأويله نفس الشىء المخبر به.
وبين هذا المعنى والذي قبله بون؛ فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام، كالتفسير والشرح والإيضاح، ويكون وجود التأويل في القلب واللسان له الوجود الذهني واللفظي والرسمي. وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء كانت ماضية أو مستقبلة. فإذا قيل : طلعت الشمس، فتأويل هذا نفس طلوعها، ويكون ( التأويل ) من باب الوجود العيني الخارجي. فتأويل الكلام هو الحقائق الثابتة في الخارج بما هي عليه من صفاتها وشؤونها وأحوالها، وتلك الحقائق لا تعرف على ما هي عليه بمجرد الكلام والإخبار إلا أن يكون المستمع قد تصورها أو تصور نظيرها بغير كلام وإخبار، لكن يعرف من صفاتها وأحوالها قدر ما أفهمه المخاطب؛ إما بضرب المثل، وإما بالتقريب، وإما بالقدر المشترك بينها وبين غيرها، وإما بغير ذلك.