وأما المانع فيبين أن المانع الذي تخيله فيما نفاه من جنس المانع الذي تخيله فيما أثبته، فإذا كان ذلك المانع المستحيل موجودًا على التقديرين لم ينج من محذوره بإثبات أحدهما ونفي الآخر؛ فإنه إن كان حقًا نفاهما، وإن كان باطلاً لم ينف واحدًا منهما، فعليه أن يسوى بين الأمرين في الإثبات والنفي، ولا سبيل إلى النفي، فتعين الإثبات.
فهذه نكتة الإلزام لمن أثبت شيئًا، وما من أحد إلا ولابد أن يثبت شيئًا أو يجب عليه إثباته، فهذا يعطيك من حيث الجملة أن اللوازم التي يدعى أنها موجبة النفي خيالات غير صحيحة وإن لم يعرف فسادها على التفصيل، وأما من حيث التفصيل فيبين فساد المانع وقيام المقتضى، كما قرر هذا غير مرة.
فإن قال من أثبت هذه الصفات التي هي فينا أعراض، كالحياة والعلم والقدرة ولم يثبت ما هو فينا أبعاض، كاليد والقدم : هذه أجزاء وأبعاض تستلزم التركيب والتجسيم.
قيل له : وتلك أعراض تستلزم التجسيم والتركيب العقلي، كما استلزمت هذه عندك التركيب الحسي؛ فإن أثبت تلك على وجه لا تكون أعراضًا أو تسميتها أعراضًا لا يمنع ثبوتها، قيل له : وأثبت هذه على وجه لا تكون تركيبًا وأبعاضًا، أو تسميتها تركيبًا وأبعاضًا لا يمنع ثبوتها.
فإن قيل : هذه لا يعقل منها إلا الأجزاء، قيل له : وتلك لا يعقل منها إلا الأعراض.
فإن قال : العَرَض ما لا يبقى وصفات الرب باقية، قيل : والبعض ما جاز انفصاله عن الجملة، وذلك في حق اللّه محال، فمفارقة الصفات القديمة مستحيلة في حق اللّه تعالى مطلقًا، والمخلوق يجوز أن تفارقه أعراضه وأبعاضه.
فإن قال : ذلك تجسيم والتجسيم منتف، قيل : وهذا تجسيم والتجسيم منتف.


الصفحة التالية
Icon