وأصل ذلك من إلقاء الشيطان، ثم يحكم اللّه آياته، فما ألقاه الشيطان في الأذهان من ظن دلالة الآية على معنى لم يدل عليه، سمى هؤلاء ما يرفع ذلك الظن نسخًا، كما سموا قوله :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [ التغابن : ١٦ ] ناسخًا لقوله :﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] وقوله :﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] ناسخًا لقوله :﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ﴾
[ البقرة : ٢٨٤ ]. وأمثال ذلك مما ليس هذا موضع بسطه.
إذ المقصود أنهم كانوا متفقين على أن القرآن لا يعارضه إلا قرآن، لا رأي ومعقول وقياس، ولا ذوق ووَجْد وإلهام ومكاشفة.
وكانت البدع الأولى مثل [ بدعة الخوارج ] إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب؛ إذ كان المؤمن هو البر التقي. قالوا : فمن لم يكن برًا تقيًا فهو كافر، وهو مخلد في النار. ثم قالوا : وعثمانوعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل اللّه، فكانت بدعتهم لها مقدمتان :
الواحدة : أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر.


الصفحة التالية
Icon