وقد يجىء كثيرًا من هذا الباب قولهم : هذه الآية نزلت في كذا، لاسيما إن كان المذكور شخصًا؛ كأسباب النزول المذكورة في التفسير، كقولهم : إن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت، وأن آية اللعان نزلت في عويمر العَجْلاني أو هلال بن أمية، وأن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد اللّه، وأن قوله :﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ ﴾ [ المائدة : ٤٩ ] نزلت في بني قُرَيْظَة والنَّضِير، وأن قوله :﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَه ﴾ [ الأنفال : ١٦ ] نزلت في بَدْر، وأن قوله :﴿ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [ المائدة : ١٠٦ ] نزلت في قضية تَمِيم الداري وَعديّ بن بَدَّاء، وقول أبي أيوب إن قوله :﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [ البقرة : ١٩٥ ] : نزلت فينا معشر الأنصار، الحديث. ونظائر هذا كثير مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة، أو في قوم من أهل الكتاب اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين.
فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا ؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين : إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال : إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ.
والآية التي لها سبب معين، إن كانت أمرًا ونهيًا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته، وإن كانت خبرًا بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص وغيره ممن كان بمنزلته أيضًا.
ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب؛ ولهذا كان أصح قولي الفقهاء : أنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف، رجع إلى سبب يمينه وما هيجها وأثارها.