فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، و وقد لا يجوز ذلك، فالأول إما لكون الآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه؛ إذ قد جوز ذلك أكثر الفقهاء ـ المالكية، والشافعية، والحنبلية ـ وكثير من أهل الكلام، وإما لكون اللفظ متواطئًا فيكون عامًا، إذا لم يكن لتخصيصه موجب، فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني.
ومن الأقوال الموجودة عنهم ـ ويجعلها بعض الناس اختلافًا ـ أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة؛ فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقَلَّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن. فإذا قال القائل :﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا ﴾ [ الطور : ٩ ] : إن المور هو الحركة كان تقريبًا؛ إذ المور حركة خفيفة سريعة.
وكذلك إذا قال : الوحي : الإعلام، أو قيل :﴿ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ [ النساء : ١٦٣ ] : أنزلنا إليك، أو قيل :﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الإسراء : ٤ ] أي : أعلمنا، وأمثال ذلك، فهذا كله تقريب لا تحقيق؛ فإن الوحي هو إعلام سريع خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام؛ فإن فيه إنزالاً إليهم وإيحاء إليهم.


الصفحة التالية
Icon